المرأة والكتابة إلى أين؟ 2

Publié le par abdennour driss

المرأة والكتابة إلى أين؟

 

 

 

- حوار مع الناقد و المبدع الفلسطيني زكي العيلة

 

حاوره وناقشه الباحث المغربي عبد النور إدريس

تدخل:الأستاذ زكي العيلة

 

لقد سجلت المرأة الفلسطينية حضوراً على الصعيدين الاجتماعي والسياسي إثر الاحتلال الإسرائيلي لما تبقى من أرض فلسطين – الضفة الغربية وقطاع غزةفي يونيو (حزيران) 1967.
وبعد تفجر الانتفاضة الفلسطينية في
التاسع من ديسمبر 1987 انخرط كثير من النساء في فعالياتها و نسيج حياتها اليومية ، بحيث أثبتت دورها الريادي في فترة وجيزة من عمر الانتفاضة ، فلم يعد همُّها الجانب الخدماتي أو الإغاثي فقط ، بل أصبحت مشاركة في الحياة السياسية اليومية ، مما ساهم في ارتقاء وعيها لذاتها ، ولقضاياها الاجتماعية .
لقد تنبهت الرواية الفلسطينية المعاصرة
للدور الذي تمثله المرأة الفلسطينية في مجتمعها ، وإن لم يتخط تناول ذلك الدور في أغلب الأوقات الصور النمطية التقليدية للمرأة .
ولعل هذا كان حافزي في رصد الروايات الفلسطينية التي تعرضت
لصور المرأة في ظل إغفال معظم الدراسات للدلالات الفكرية الشمولية لصور المرأة ، وعلاقتها بالواقع المعيش ، خاصة في ظل المتغيرات الاجتماعية والفكرية والسياسية والاقتصادية التي واكبت الانتفاضة و مدى تأثيراتها على نموذج المرأة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة .
و
لعل السؤال الرئيس الذي حاولت الدراسة البحث عن إجابة له هو: هل تخطت الروايات الصادرة في هذه المرحلة 1987 – 2000 الصور التقليدية ذات القوالب المحددة للمرأة الفلسطينية السلبية ، المقهورة ، العاجزة عن التغيير ، والتي غالباً ما ترد خارج دائرة الفعل ؟

في البدء
تبرز ملاحظة ذات دلالة تحتاج إلى دراسة حيث لا توجد أية روائية أو كاتبة قصصية بين أعضاء الاتحاد العام للكتَّاب الفلسطينيين فرع قطاع غزة ( 120) كاتباً و كاتبة ، في حين لا تزيد كاتبات القصة و الرواية في فرع الضفة الغربية ( 280) كاتباً و كاتبة عن عدد أصابع اليد في الوقت الذي تكثر فيه أصوات الشاعرات .

لقد تناولت دراستي ، " المرأة
في الرواية الفلسطينية " خمساً و أربعين رواية لواحد وثلاثين روائياً ، إلى جانب ثلاث روائيات فقط سحر خليفة ( أربع روايات : الصبَّار ـ عباد الشمس ـ باب الساحة ـ الميراث ) و ليانة بدر (رواية : بوصلة من أجل عبَّاد الشمس ) و ديمة السمان (رواية : جناح ضاقت به السماء ) .
شخوص روائية كثيرة ، حاول البحث من خلالها أن يجد في ( شخص المرأة
) الراوية أو المروي عنها ، على وجه التحديد نافذة لواقع المرأة الفلسطينية ذاتها على الأرض ، خارج الورق ، و خارج الرمزية الغامضة أو الواضحة أو المضطربة .
لا جدال في أن الروائي حين يصنع شخوص
روايته، لا ينقل الواقع بالضرورة بل يتخيله ، لكن المخيلة ـ مهما كانت لعبتها الإبداعية ـ هي جزء من الواقع ، و وفق هذا الإدراك يصبح الباحث أمام واقعين يمكن أن يسمي الأول " الواقع الواقعي " والثاني " الواقع المتخيل " و هما يتماهيان معاً في الإبداع الروائي ، لا واقع و لا خيال ، بل هي الرواية فحسب .
لقد حاولت الدراسة " المرأة في الرواية
الفلسطينية " أن توائم الواقع الواقعي مع الواقع المتخيل ، فالمرأة في الرواية هي المرأة في الحياة ، بقدر ما هي ذاتها ، و ربما بتجليات أشد كثافة و أبعد عمقاً .
الملاحظ
أن معظم النماذج النسوية في الروايات (مجتمع البحث ) قد شغل بمفهوم الحرية الفردية و العلاقة بين الجنسين حيث ترفع تلك النماذج ـ في روايات سحر خليفة و ليانة بدر تحديداً ـ كثيراً من الشعارات الرافضة للضوابط التقليدية انطلاقاً من إيمانهن بأن معركتهن موجهة ضد الرجل و المجتمع القامع ، فالفتاة ( رفيف ) مثلاً في رواية (عباد الشمس) لسحر خليفة تبدو المسائل مشوشة في ذهنهـا وهي تدين الرجال كافة : (فالجنس في نظرها طبقة ، والمرأة تعاني من استلاب مضاعف ، لأنه استلاب قومي ووطني وجنسيلذا لا بد من ثورة المرأة ضد نظام اجتماعي، اقتصادي ، ديني أخلاقي ، وأضف إليها ما شئت من مسميات بلا عدد ) غير آخذة بعين الاعتبار القضايا الاجتماعية والسياسية في شموليتها فالتحرر كما يقول الناقد فيصل درّاج لا يبدأ بالرجل وينتهي بالمرأة ، بل يتحقق في تحرر المجتمع ككل ، أو يتحقق في سيرورة النضال الوطني الديمقراطي الذي يساهم فيها الرجل المرأة ، ومع ذلك ، فالكاتبة لا تبدأ من المجتمع بل من تعارض الذكورة والأنوثة ، وتقابل سيطرة الرجل مع النزعة النسوية ، ذكورة ونسوية، انغلاق مقابل انغلاق ، أو عنصرية تطرد أخرى ، بحيث يتحول تحرر المرأة في الرواية إلى خطاب أيدلوجي مفتوح . حتى أن (رفيفاً) لا تأخذ في اعتبارها الوظائف البيولوجية الخاصة بالمرأة ، وكأن الحمل والإنجاب لعنة ، لا نعمة : ( طبخت فأكلتم ، زرعت فقطفتم ، حملت بذوركم في بطني ، وسقيتها غذاء عيني ، وأسناني ، واشتداد عقلي ، وحين تتلقف أيديكم المولود ، يحمل اسمكم بدل اسمي ، والأب نفسه يحمل اسم مولوده الذكر ، ولا يحمل اسمي ، وأنا نفسي أسلخ عن اسمي واسمكم ، وأفقد هويتي ، وشخصيتي في مطابخكم ومعابدكم ) .
في المقابل تُطل علينا في
الرواية نفسها شخصية (سعدية) المرأة التي تقرر أن تباطح الحياة بعد أن لم تفلح شهور من النواح والبكاء ، وارتداء الأسود في إطعام أولادهاإثر استشهاد زوجها (زهدي) – متحملة افتراءات ومنغصات نسوة الحارة وبعض رجالها لخروجها عن المألوف في تنقلها وتحركها بحثاً عن عمل ، ويتحقق حلم (سعدية) بشراء أرض في الجبل المشمس ، تظن أنها ستريحها من الحارة التي جعلت من خروجها للعمل مصدراً للتقولات ، كما ستمكنها من النجاة بأولادها من بطش الاحتلال وغراماته بسبب مشاركتهم – خاصة رشاد – في التصدي للجنود ، إلا أن بحثها عن خلاص فردي يواجه بالرفض من أولادها المتشبثين بالحارة وأهلها ، لتدهمها ضربة لم تحسب حسابها ، فالأرض التي اشترتها بعرقها وسهرها وشقائها وتحملها المشاوير والأقاويل ، يصادرها اليهود لصالح إحدى المستوطنات ، فتضطر (سعدية) إلى العودة لحضن حارتها في نابلس القديمة ، تتواصل مع المجموع، يصبح همها مقارعة العدو الذي قتل رجلها وصادر أرضها ، كما صادر الأراضي المجاورة .
فبعد اغتصاب
حلمها تصل لقناعة مؤادها : أن كل الأحلام الفردية ستظل عُرضة للانهيار والسلب ما دام الاحتلال قائماً ، لتتقدم (سعدية) النسوة صوب المدرسة التي يُحاصر فيها رجال الحارة وفتيانها – بمن فيهم ابنها رشاد – مستمدة وعيها بضرورة مقاومة الاحتلال – الذي هو سبب كل الآفات – من واقع تجربتها .
تدخل : عبد النور إدريس

 

بالطبع الأستاذ زكي العيلة إن الروائي يصنع شخوصه الروائية عبر لقاء إبداعي بين الواقع والمتخيل ،وقد تطرق أرسطو في كتابه فن الشعر إلى انفتاح النص الروائي على مستقبل الاحتمالات الممكنة ، فوضع للمخيال إمكانية التهجيس بالمحتمل من خلال الوقائع الحيّة.
فالرواية بهذا المعنى أصبحت مختبرا للزمن الآتي
وكما قال محمد شوقي الزين في كتابه(" تأويلات وتفكيكات..)" السرد وثيق الارتباط بالخيال بحكم تمثله لواقع زائل ينبغي حكايته أو روايته لإعادة تشكيله وفق نماذج ومعالم وتثبيته كخطاب يحتفظ بدلالته ويضمن له السيرورة عبر القراءة والتأويل".
أن نثور هو أن نفكك النماذج المعطاة فهل
استطاعت المرأة الفلسطينية الكاتبة أن تتجاوز ثيمة الحرية إلى استثمار ثيمات أخرى كبحث عن نموذج لثورة المستقبل؟
هل تحضر ثيمة الجسد في
الكتابة السردية النسائية وكيف تناسلت هذه الثيمة عند المتلقي و في جسد المجتمع مشبع بالمنطق الذكوري؟

 

تدخل الأستاذ زكي العيلة

 

للإجابة على التساؤلات التي يطرحها الأديب المبدع إدريس عبد النور،

Publié dans حوارات

Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article