صورة المهمش بين رتابة الإنتظارومحاولات الإنعتاق
صورة المهمش بين رتابة الإنتظارومحاولات الإنعتاق
قراءة في المجموعة القصصية "ورثة الإنتظار للقاص المغربي إدريس عبد النور.
بقلم القاص والناقد : حميد ركاطة
مجموعة ورثة الإنتظار للقاص إدريس عبد النور غنية بتعدد لغاتها (الشعرية /الزجلية /السردية ) وبانزياحاتها الجميلة التي حاولت الحفر عميقا داخل الواقع المغربي بهدف تأصيل فعل قصصي ثري بمسوحات فكرية وفلسفية تفرض تأملا عميقا كما استطاعت رصدالعديد من الظواهر الخطيرة في المجتمع المغربي ضمن حلقة دائرية بطلها الحقيقي " الإنتظار "الذي اتخذ كتيمة محورية تم من خلالها بناء أغلب نصوص المجموعة التي توزعت أفكارها الأساسية بين الجنون / الإحساس بالقهر / والإنهزام أمام إكراهات الواقع / والهجرة السرية / والفكر الغيبي / والذكورة / والفحولة / والدعارة / والكبت / والحرية / بالإضافة إلى الغلاقات الإنسانية من خلال العالم الرقمي .
ولعل هذا التعدد ، يفرض قراءة خاصة لكل ظاهرة ، وقد ارتاينا أن تكون من الداخل في محاولة لتشريحها وإبراز أهم أفكارها. فإلى أي حد استطاع القاص عبد النور إدريس مقاربة كل تلك الظراهر وماهي أهو الإستنتاجات التي يمكن الخروج بها من خلال قراءة النصوص ؟
تصم المجموعة ستة عشر نصا وتسعة وتمانون صفحة وهي من الحجم المتوسط مع تقديم للدكتورة زهور كرام، وقراءة للدكتور نور الدين محقق ، بالإضافة إلى تعليقات في الصفحات 86/87\و88 من مواقع إليكترونية : كدروب ،للأديب حسين العلي ، والقصة العربية لكل من الناقد والكاتب الليبي محمد السنوسي الغزالي ، وعايدة النوباتي ، والقاصة المغربية فاطمة بوزبان .مكا تتضمن كذلك مقتطفات من الصفحة الأخيرة من الغلاف لكل من الدكتورة زهور كرام ، والدكتور نور الدين محقق والقاص والمترجم محمد سعيد الريحاني ، الذي ترجم نص شهريار إلى الأنجليزية ، بالإضافة إلى تواجد صورة فتوغرافية للقاص . أما لوحة الغلاف فتتضمن لوحة تشكيلية من إنجاز الفنان خليد ماني.
المجموعة صدرت عن منشورات دفاتر الإختلاف سنة 2007 بإهداء جميل عبارة عن مقطع شعري بصيغة المؤنت،
"إليك حتى منصف الحلم
اغزل شهقة الحكاية"
لقد اشتغلت نصوص المجموعة غلى تيمة مركزية بداخلها تيمات اخرى تندرج ضمن سياق تجديدي في الكتابة القصصية المغربية بما حوته من ابعاد فكرية وفلسفية جديرة بكل بحث واستقصاء .ففي الصفحة 13 يطالعنا نص " الزمن المكسور " الذي يترجم غضب الشاعر البطل وحرقته الكبيرة على التردي واللبس اللذان شابا وظيفة الشاعر بسبب انحطاط الذوق والحس الفنين ن وكذلك ممارسات الشعراء المشينة والساقطة خلال العديد من الملتقيات التي تحولت إلى جلسات للتطاحن والحروب الكلامية داخل أرض أصحت لانتبت سوى السراب ، وتزرع فيها التفرقة والكراهية ، عوض أن تكون مجالا رحبا للإبداع والحوار والتسامح والرأي والرأي الآخر .
وقد اعتيبر السارد الشعراء مجرد وجوه مختلطة "تلعب الكلمات فيها لعبة النط على الحبل ، وتتدفق القصائد كجذور البراكين..ويصيح المصلي في وجه الفجر..بينهما برزخ لا يبغيان" ص13.
ولعل هذه الصورة القاتمة والمرة فيها ما يبرز إنكسار الزمن ، وهو في الأصل زمن الشعر العربي بكل تجلياته ، وكبواته وفرسانه ، فالشاعر رجل " أضاعته لغة الإنتظار ، فلم يحفل بأيام نحوسه ومآسيه" ص14 أما الشعر فيشبه "بالمرأة المنتفخ بطنها ، تخترق شارع محمد الخامس ، وتلتفت في سماء الألوان والضوء ، تشير إلى بطنها والعيون جامدة على الكراسي تلمس المساحيق ، وتسافر نحو الألوان الهاربة " .
أنه الوصف الساخر والوضع القاتم لبعض الملتفيات الأدبية الفارغة من كل مسحة جمال ، والممتلئة كفقاعة بالهواء ، والغبن ، وانحطاط الذوق والتعهر ، بينما الشاعر الحقيقي يبقى حائرا ومتوثرا لا حيلة أمامه سوى فتح "الشهادة أمام السيارات - و – بركان من – ورائه- ينفجر..كلما –بدأ – البحث عن كلمات للشهادة في جسد الوسادة – فيجد- أسئلة كثيرة طرحت على الماضي ، ومازالت أجوبتها الجاهزة منذ ألفي عام لم تنشر بالجريدةالرسمية" ص15 . لم يكن الزمن المكسور سوى زمن الإنتظار العربي الممتد على جغرافية الشقاق والدهشة من المحيط إلى الخليج ، وفيها ضاع المبدع الأصيل واضحى كقيس تائه في الصحراء ، بلا مأوى ، أو وطن ، أو هوية أو تاريخ كما جاء في ديوان الشاعرة المغربية فوزية عبدلاوي في قصيدة " أرصفة المرايا " .*:
"قيسا صائعا في صحراء العرب
بلا حبيب ولاهوية
مأواه إذ يأوي جرحه
والقصيدة"
فالشاعر مشقوق الرأس ، وميت الجسد ، ولعل هذه المسحة الحارقة تثير أكثر من تساؤل حول واقع ، وزمن ، ومستقبل الشعر والشعراء داخل تلك الأجواء الموبوءة.
لقد فتح القاص والشاعر عبد النور إدريس الباب على مصراعيه على واقع متردي أنطلاقا من تسليطه الضوء على بقعة جغرافية صغيرة "مكناس" ليحلق بنا عاليا نحو أجواء وفضاءات أوسع وأرحب " بابل / اليونان / ..مع توظيفه لصور ومضامين النص القرآني " بينهما برزخ لايبغيان "في إشارة إلى الإختلاف الصارخ بن الشعراء ومقاماتهم ، من خلال توظيف استعاراتوتشبيهات أدق كالإحالة على بيت زجلي للشيخ عبد الرحمان المجذوب نورده لما فيه من دلالة وعمق "راكبة على ظهر السبع / وتقول الحداء يأكلوني"ص 14 وهي صورة ساخرة فيها نقد لادع وعميق الدلالة ن انطلاقا من كون المتواجد في موقع القوة يشعر بالخوف ، ويطلب النجدة . ولعل استحضار هذا البيت للدلالة على قتامة الحاضر كان مجرد تمهيد للسفر إلى زمن ابعد من خلال الإحالة على " سفر السندباد" أو الأسطورة "مما يفتح أمامنا الأبواب على مصراعيها نحو المغامرة ، واكتشاف حقائق أكثر إبهارا ، لكنها قاتمة وغير ذات معنى أو رونق فهي كزغاريد " نساء – لكنها – مبحوحة "ص 15 وما يلفت الإنتباه إليه في هذا النص كذلك هو الكثافة الرمزية ، ودلالة المكان والزمان والشخوص والوقائع من خلال توظيف تقابل لغوي من قبيل : شعراء المدن / شعراء الخيام مما يجعله نصا مركبا ومتجددا بعد كل قراءة.
أما نص " حلم شهريار " ص16 فقد كان لحلم الذكورة المغلغل داخل عقل الإنسان العربي ، وهالة القداسة التي يحفه بها لكنه حلم يعبر في العمق عن الصياع والعبث ، يبحث من خلاله عن ترثيق لحظت الزمن الممزقة، هربا من لعنة " أبو البنات" وهو امر أشار لإليه الباحث محمد سعيد الريحاني بقوله أن " مركزية اليأس تقتضي لغة غامضة ، غموض القدر الكارثي ، اي حل بالشخصية المحورية في النص ، وهو يهيم في الكون ، حالما بإنجاب طفل دكر يخرجه من متاهة البطولة والذكورة بالفحولة الوهمية"*وهو حلم داخل حلقة الإنتظار الكبيرة والمجهولة .
حلم شهريار ، هو نفس الحلم المتغلغل داخل عقل الإنسان العربي منذ القدم ، ورغم كون الإسلام منح مكانة خاصة للمرأة ووهبها حقوقا متميزة ومتعها بالكرامة بالإضافة إلى ما قدمته القوانين الوضعية والمواثيق الدولية لها فقد ظلت فكرة الذكورة متوغلة داخل لاوعي العقليات وتترجم من خلال ممارسات وتقاليد وبالتالي واشمة أسلوب تفكير الكثيرين ، وهو ما عبر عنه القاص على لسان سارده " وصخ البذرة باسمه ذكرا ، وكان لا يتقن سوى إنجاب البنات كانت كل البطون الجديدة ، لاتحمل له أملا في نهاية هذا ؟"ص17 وهي بذرة رغم انتظاريته وترقبه الطويل مجهولة الجنس ، وليس بوسعه تغيرها أو التدخل فيها ، ليظل الترقب والحلم حلم الإشتهاء بلغة الإبتهال ومرارة الترقب والإنتظار إنه الأمل / الحلم الذي " يحرر الإناث من متاهتهن ، متاهة السلبية المطلقة والإنتماء ل"العار" ملعون أبو البنات..
في حين يطالعنا نص " القلب المحروق " بتيمة أخرى وصورة خطيرة للدعارة داخل مناطق معزولة بسبب الفقر والقهر والحرمان بحيث أن" عددا من النساء يتعهرن على الرصيف" ص20 فالبطلة هي امرأة رصيف لم تكن "لأحلامها معنى- بل هم- دائم"ص20 ولعل رصد فضاء البادية "في قلب القرى الداعرة"وما يعتري نساؤها من حزن وكآبة في حياتهن اليومية، اشبه بالعيشفي الجحيم وهن غارقات في البؤسبسبب الفاقة كما اعتبر الحرمان الذي يجتاحهن كمحول للقلوب" بلاحنان" ص20 وأفقدهن ذاكرتهن فهجرت أحلامهن، أما "فتحات –قلوبهن فقد- أصبحت عناقيد ها زبيبا "ص21 في إشارة إلى الذبول والبشاعة والموت البطيئ، وبالتالي الإحتراقوالإنتحار.
لقد أطلق القاص على لسان سارده صفارة الإنتظار بنكهة الموت السريري الذي شل الحواس في ظل انتظارات رهيبة مليئة بالأمل والبحث عن الخلاص قالبطلة كانت " تبحث عن مجاديف لبحر حياتها بكل الأوراق المنسية ينام جمالها على الملصقات"ص21.
ويشترك هذا النص في رصده لظاهرة الدعارة مع نص آخر هو "كبرياء وأنخاب " لكنه لم يكتف بالوصف لها والتحسر بل تعداها إلى الإنتقاد ، بحيث أن ليل القرية يتحول إلى احتراق دون رماد ، وهواءها " مدرج بغيض الهذيان " ص33 . كما أن هذه الظاهرة يلفها الكثير من الطقوس العنيفة المصاحبة ، وقد شبه الكاتب لياليها الحمراء بكونها " مليئة باساليب الإعجاب – و- بالسلطة الأسطورية لفتوحات ...هارون الرشيد "ص33 . أما فرسانها فقد اتخذوا صورة دونكيشوتية كل منهم " يبسط – طاقته – على الطواحين – كي- يفرغ في زمن العشق وتمزق الإزار "ص33 والبطل يعيش حالة من الهذيان والفوران المليئ بالرغبة ، مما يجعله كقنبلة موقوتة على حافة الإنفجار من خلال رفضه للواقع وأوضاعه القاتمة ، وهو يفتح سيل أسئلته الحارقة مجيبا أحد الشخوص ملمحا إلى "دامية"عن أية خمر يتحدث هذا المجنون ، أعن الخمر التي تشاركنا المصروف اليومي ، أم التي تشاركنا العاطفة والتفكير ..إنها مدرسة للعنف" ص37 .
ولعل الإحتجاج كتن بسبب دامية التي رآها كقنبلة " إمتللأت حبا وحبا ..وانحنت لتمارس عبادتها في صمت"ص37 مكرهة على ذلك بسبب الفقر الذي أملى عليها واجب الرغيف والأسرة " منذ ربيعها الثالث عشر "ص37 وهو ما يحيل واقع مليئ بالقهر والغضب والسخط .
أما في نص " جنون المسافات " ص22 التي كانت تعتصر جنونها وحرقتها من قلب حي "بني امحمد" وبطلها ، وبطلها الأسطوري " الطويهرا"وهو شاب كان مهوسا بالعدو ، والجري ، ووجه آخر لآبطال بلا مجد في مدينة المهمشين " كان يعيش على حلم كبير داخل وهم أكبر ، رجل خلق البسمة في شفاه الكثيرين وهو " يمشي إلى الحلم ببساطة فتتبعه حناجرهم إلى النصر"ص24 .ورغمهذيانه فقد كان دوما " سعيدا وهو يقذف بانتصاره في وجه المارة "ص23 لإحساسه باهتمامهم ، يشيد عالمه الحالم والجميل والصادق النابع كالسيل من أعماق القلب . وفجأة وصل نعيه " الطويهرا مات ..قتلوه أولاد الكلاب" ص23 وهو ما يحيل على دهشة وحيرة ،لماذا قتل رجل محبوب؟
لقد ظل الجواب عالقا لكون القتل كانت متعمدا ، ةبانه كان في نظر البعض مجرد" كلب يعدو ويلهث ..أرنب ..وقوبل الحدث بصمت رهيب ... كل الجرائد تجاهلته" ص ولعل حنق الكاتب على واقع "الطويهرا" هو ماجعل سارده يصرح بموته المجازي بسبب التهميش والتجاهل والإقصاء ، لأن البطل لم يكن شخصا عاديا ، وسويا ، وكان على الجميع منحه مكانته الإعتبارية والخاصة.ليدخله كبقية شخوص نصوص داخل حلبة الإنتظار ضمن طابور طويل انتقاما من الزيف الذي تواجه به طيبوبته وتسامحه ونكران ذاته . فالأرنب الذي كان يشعر بسعادة كبيرة أولى أن يؤجل انتصاره .
أما في أقفال المصالحة ، فتطرح بحدة أثر المخلفات النفسية والخطيرة للشجن على نفسية الفرد الذي يصبح يعيش حالات من فوصى الحواس وصعوبة الإندماج في المجتمع ، ويتجلى أثر ذلك من خلال سلوك بطل النص وترقبه الممزوج بالترقب ، والسخرية من الواقع وهو ملفوف بظلمة الإحساس داخل رحلة صمت طويلة الأمد " كان يعتصر أحلامه في – عينيه - ، أحلامه – هنا- لم تختلف عن تلك التي – هناك- ثم ولولت أحاسيسه " ص26 وهو أمر أثار تعاطف السارد الذي أحس بالإحتقان والقهر بقوله"كلنا سجين وسجان"ص27 في مجتمع مختل بطله الإحساس بالدونية والغصب والسخرية .وكدلك من خلال مراقبته لمغادرة البطل للمكان " بعينين قد احمرتا من كثرة النحيب الداخلي " ص27 بدا له وكأنه كان يحاول شنق نفسه ، باعتباره رجلا ميتا على الدواميقول السارد " لما رحل ، هرب ..غريبا مفجوعا ، عرفت لما كان يصر أن تكون العصابة ربطة عنقه المفضلة"ص27 مما يحيلنا على رمزية عالية في كون حجب الرؤية والإصرار على البقاء في الظلمة ، هي أقسى درجات العزلة ورفص للعيش في عالم لم يكن يوما رحيما أو رحبا تمثل له بشجن فسيح محفوف بالترقب والإنتظار والدهشة والخوف إنه ببساطة موت سريريدون خلاص للروح من الجسد.
أما نص " ألا تدري أنا سميحة " فهو سفر متعب ، وموحي في نفس الوقت .لم تكن البطلة سوى صورة طبق الأصل إنبعث من رحم نص آخر للقاص زكي العلية ، لتستمر رحلتها في عالم آخر لكن بعقلية متمردة مليئة بالسجب والإحتجاج والإستنكار بجرأة نادرة بحيث رفعت دعوة قضائية مطالبة بمحاكمة "ربها " السابق بتهمة إبمانه " بوضع السلاح ، وتركها عارية ..تختبئ من عذريتها ، وهو ما استنكره الكاتب وطالبها بالعودة إلى أحداث وزمن رواية .." "زمن الغياب " لترى كيف أن بطلته الأخرى كانت " تغني للحرية رغم كونها كبرت مع السلاسل .... وتحلم بالتجول في المدينة باسم كل النساء "ص30
لقد شكل الأستاذ زكي في هدا النص إلى جانب سمحية وجهين من وجوه المقاومة الفلسطينية من خلال بناء نص جديد يستحضر واقع القضية ماضيا وحاضرا بين مرحلتي المقاومة والتفاوض السلمي بين "فلسطين المناضلة في ..شرودها " وبين مرحلة المفاوضات السياسية مع المحتل الذي أصبح "-يقاسمها – لغة العينين ...ويستبيح من- جسدها – اشجاره ..ومنذ طعنته الأولى و- هي – مدمنةعلى كل الطعنات "ص29 .فسميحة / فلسطين ، الجسد المستباح في زمن التيه والتشردم العربيين ، إمرأة خانها الأهل – وآمنوا- بوضع السلاح " ص29 وخانها الأصدقاء وأبناء العمومة بمواقفهم المتخادلة ، والسلبية ليتفرجوا على مآسيها من المحيط إلى الخليج ، بأفواه مكبلة بالصمت ، وآذان صماء ، وعيون مليئةبالدهشة .لنخلص في هذا النص كذلك أن القضية هي الأخرى لاتزال معلقة في مسجب الإنتظار وتائهة في زمن التسويف العربي .
نص وصية الليل ص31 يدور في حلقة التجريب بتوظيفه لتشكيل خاص ولغة شعرة شفافة ساهمت في تأثيت لوحة كثيفة الدلالات ، وغنية بالرمزية وبالتالي محيلة على قتامة وحزن كبيرين.
لقد تم توظيف جالية التأثيت السينوغرافي ، واستعمال جمل قصيرة لاترمي إلى استنطاق اللغة بقدر ما ترمي إلى استقصاء دلالات الصور ، وإيحاءلتها الوازنة بأبعادها المختلفة :العصفورة / الحلم / الرذاذ / العريس/ الصمت / الفاجعة/ الورد المحترق/ الأغاني /الإلتباس/ الرقص/ الركح/ الزمن الشارد/ رماد الذاكرة / الفراشات / الريح/ الليل/ زهرة الربتقال/ صياع/ الأمطار...
ولعل هذا المعجم الغني ، ينبغي التعامل معه باحتراز كبير ، لكون فصاء النص مشكل من جماليات متعددة : إنزياحات / صور / استعارات / كثافة لغوية / هي أقرب إلى لغة الشعر منها إلى لغة النثر "شعرية القصة" ، مما يجعل منه نصا تجريبيا بتوظيفه بامتياز وهو ما جعل الأديب حسين العلي* في تعليقه عليه في موقع دروب الإليكتروني بقوله:= أضحك وأتألم بجنون وبفرح ، بعقل أو بغيره لما للغة هنا من توظيف غير أعتيادي أبدا=
أما نص " الرواية الأقصوصة : أنيت الفحولة أوجدارية الماهو (ه) فقد تم توظيف جمالية التقطيع من خلال اعتماد عناوين فرعية :
- جدارية الفراغ/ الممكن/ المتاهة/ إحتراق الأسئلة/أنيت الفحولة / جدارية الإستفحال/ الأنثى.
كما تشكل مضامين أساسية وللحظات زمنية نفسية بالخصوص ومحطات للتأمل والتساؤل ، فالمحور الأساسي شكله صراع حول(ومع) وما أثارته من غيرة وتطاحن كبيرين ما تزال صوره عالقة بعقل/كيان البطل في علاقته مع الجنس الآخر ، وبسبب الفراغ الذي تركه رحيلها المفاجئ وهي " تحمل صورتها الوحيدة ليوم العرس"ص39 وبالإنتقال الى الجدارية الثانية تنفتح العوالم النفسية للبطلة من خلال رسم ملامحها النفسية وعوالمها الخاصة فهي "كانت تفتح أسماعها كثيرا للوشوشات "ص39 "لا تتذوق الشعر ومرتبطة بالأمثلة النموذجية (لحوارات ) الجارات" 40 وكانت أقرب لزوجة هاوية تعمق حضور الغائب في حياتها ليحل على الحاضر المغيب"40 وقد مكنتنا هذه الجدارية كذالك من التعرف على قناعات الزوجة وأفق تفكيرها وصعف استرافها للمستقبل ، وهي لبنات ستشكل أسس البناء العام للنص وأحداثه المتصاعدة .
وتنكشف خيوط القصة من خلال الحوار الذي دار بينه وبين صديقه "جمال " فتنكشف أسرار النظرة إلى الأنثى وزواياها المختلفة من خلال علاقتها مع الرجل مما يحيل على أن "النظرة " كان فيها كثير من سبق الإصرار والترصد ، والخوف والشك ، فهو كان يخشى أن تصبح لقمة صائغة للآخرين نكاية فيه ، وهو موقف سلبي " إنها امرأة على كل حال ..ومع غريب داخل سيارته ...ثم إني أخاف عليها من "الحطاطة" الذين يحتكون بمؤخرات النساء قي الحافلات العمومية "41 ولعل مواقف البطل وهواجسه أوصلته إلى درجة حرجة جدا جسدتها جدراية إحتراق الأسئلة ، بحيث لما نظر البطل في وجه المرآة الصقيل أوحى له بمحاولة لمحاكمة الذات من خلال توغله العميق بداخله ، وهي حالة من الغبن والهذيان أججت لديه"الرغبة في البكاء " لكنه لم يستطع ذلك وهم ما دفعه إلى اجترار " السئلة التي تحترق استنكارا مع زوجة غير محروسة ولو نظريا "41 وكذل من خلال نظرات الآخرين التي يفسرها بشكل مغرض وتسبب له قلقا كبيرا ، وغيرة أكبر مما حذا به بالتوجه إلى بيت " نزار " وتساؤله عن عدم وجود سيارتهفي مكانها.
ـــــــــــــــــــــ
* الشاعرة فوزية عبد لاوي ديوان "بقعة حناء حزينة" انفو برنت 2009
* تعليق من الصفحة الأخيرة من غلاف المجموعة
*حسين العلي ناقد من فلسطين