هتاف الجسد بين الحرية والتحرر (الž
الجزء الثاني
الفصل الثاني من كاتب (الكتابة النسائية ..حفرية في الأنساق الدالة..الأنوثة..الجسد ..الهوية..)
هُتاف الجسد
بين الحرّية والتحرر…
في السرد النسائي العربي
"شاءت الأقدار، يا سيدتي، (...)
شاءت الأقدار أن تعرف عيناك الكتابة
في صحارى ليس فيها..
نخلة.....
أو قمر... ..
أو أبجدية..." ...
(الحب في الجاهلية)
)
إن الثنائيات الضدية التي تتحدد هنا تجعل ا لمرأة المبدعة في مساواة مع الرجل الرقيق الشعور المرهَف الحس.
المرأة المبدعة /الأصل = فحل، الرجل المبدع / لافحل= أنثى.
إن هذه الثنائية تؤسس للثنائية الإبداعية، المتفوقة العلاقة الضدية المرأة/ كاملة، الرجل/ ناقص.
ففيما أن الأنثى هي الأصل نجد أن الرجل لفهم الإبداع النسائي يُحيي داخله إمكانيته للفهم "فعندما يُبدع الرجل هل يمكننا الحديث عن عودة الأنثوي المكبوت؟لأن الرجل غالبا ما يكبث الأنثى فيه وفي تصرفاته.لكننا عندما نتحدث عن الإبداع حتى عند الرجل نتحدث عنه بعبارات أنثوية"(14).
إن تصالح الرجل مع أنثويته تشكله الكتابة النسائية مرة بالجسد المملوء بروائح البخور والمطلي بأصباغ الفتنة والوقار، ومرة بحضور لذة المتخيل لديها وقدرتها على تعرية الجسد وتحويله بالكلمة إلى رمز قابل للتجلي وخلق متعة التلقي " إن الواصفة هنا باعتبارها تتكلم عن زمن هو غير زمن الرؤية المباشرة للجسد الأنثوي تصفه لجسدها وذاكرتها، أي بقدرتها على تعرية جسد الآخر باللغة في حضرة المتلقي "(15).
لقد عبّر مونترولاي عن السِّحاق المُضمَر الذي تُعري فيه الكاتبة جسد الآخر/ الأنثى لتستعرضه على القارئ يقول"إن علاقة المرأة بجسدها نرجسية وشبقية في نفس الآن، لأن المرأة تلتذ بجسدها كأنها تتمتع بجسد امرأة أخرى " (16).
المرأة الكاتبة تكتب بالجسد وتحوله إلى أيقونة، صورة ذهنية لا تكتمل إلا بتمثلها لدى الرجل الذي يمتلك هذه الصورة عبر تصورات راجعة إلى التأسيس الميثولوجي لظاهرة الفحولة وبذلك لا يتحقق للجسد الأنثوي كينونته إلا إذا كانت نظرة الرجل إليه تؤسس المعرفة بحدود انفلاته البلاغي وحدود استيفاء العناصر الجنسية لشروط التصور الجمالي داخل الأنموذج التخييلي.
وقد يجد نور الدين أفاية معنى للجسد داخل النسق الخاص للأنثى كإعلان للكتابة "فالمرأة لا تكتب على الورق فقط لأنها تتألق في الكتابة على جسدها، على اعتبار أن التمويه، ومختلف أشكال إبراز ذاتها، بمثابة نقش على الجسد"(17).
3-1ـ المرأة والكتابة بالجسد.
إن بلاغة الكتابة النسائية بالجسد تعطي للغة طابعا شبقيا يحقق جناسيَتَهُ باندفاع الكلمات للرقص في مكان هارب، فالجسد داخل الوضع السيميولوجي الانثوي يضع المرأة الراقصة أمام الحُرقة الدلالية ضمن تمظهرات نسقية للفحولة فهي: راقصة /لاامرأة، إذ أنها لا ترقص وإنما توحي بكتابتها الجسدية أنها تتعالى عن الأنثى لتصبح امتدادا للرجل ضمن لعبة هندسية وضعها د.عبد الكبير الخطيبي بين الكلام والكتابة داخل منظومة فعل الرقص يقول "فالوجود الراقص هو حد نظري للغة، أو بدقة أكثر ، يحيى من هذه الحيرة بين الكلام والكتابة، إذ أن الجسم الراقص يكتب الكلام ويحطمه، يجرد من الفضاء هندسة دقيقة ومتعددة الأصوات، إنه زوبعة القوانين، انعكاس الخطوط ، ومحو الأثر الذي بواسطته ينطق الأصل (الجسم) ويُمحَق" (18).
إن هذه اللحظة بين الكلام والكتابة تتداخل خصوصياتها، تتراءى ملامحها لتجعل من الجسد الأنثوي الراقص كتابة يلفها الضباب وتحكمها ذبذبات تواصلية متقطعة، فهذه اللحظة بين الكلام والكتابة النسائية يمتلك فيها الرجل الجسد والهوية والصورة البلاغية لانتشاء الجسد بحريته و قد تكتب الأنثى عن طريق الوشم لتجعل جسدها ممتلئا بالرموز.
3ـ 2ـ المرأة والجسد المكتوب.
فالوشم وضَع الكتابة النسائية بين الصوت والكتابة فأصبح الوشم اختصارا لفعل وجودي قابل للفناء، فالكتابة على الجسد الأنثوي استمرارا لصوت فاضح مكتوب بطريقة مزدوجة كإعلان لصمت أكيد وكصمت شاهد على موت الجسد ف" الجسم الموشوم يستمر في التجلي خلال الموت كأن الوشم قد سرق شاهد القبر"(19).
فالوشم ترانيم للقراءة الجنسانية وسنن لتجنيس التلقي البصري، إنها نظام للتعري والاستعراض، فهي كالرقص تجعل المرأة تصل إلى نفس الثنائية الضدية السابقة للرقص لتصبح: امرأة واشم /لا امرأة، فهي إذن هندسة مُجنسَنة تتم قراءتها في حضرة نشوة يتساوى فيها الذكر والأنثى في بعدهما الابستيمولوجي لتحقق وحدة التصنيف الإلهي للجسم.
فالأنثى تشم من جسدها ما غطاه الحجاب ( الجبهة، الذقن، بين النهدين، السُّرة، العانة..) أي أن الوشم يشطر جسد المرأة إلى نصفين متماثلين، إنها نقط مركزية تتفرع عنها الشهوة، تنشطر ليتفتق هذيان الكتابة بلحظة الارتعاش الشبقي .
إن المرأة الواشمة تكتب لتضع لذة النص بيد المتلقي لاكتشاف نهاياته الاشتهائية ولتضع تجربتها داخل نظام جنساني، إنها تكتب في الجسم الغض لتؤسس شبقيتها عبر سِحاق خطي مُضمر، فيصبح الجسم وثيقة اللذة بين دفة الانتظام السيميولوجي كي ينتقل من الجسم الأيقونة إلى الجسم اللاهوتي.
إن الوشم كالكتابة يعتبر داخل المنظومة الإسلامية حجابا، لباسا داخليا يُعتم على المتلقي رؤية ما يحيط بجسد الأنثى، إنه يلعب دور المغناطيس الذي يحجب الجسد الحَمدَلي عن الانتهاك، فالاستعراض الجنسي محمي بالوشم وهذا دور "الخميسة"التي تعطل بلاغة النص السحاقي، إنها تنظم فوضى الدلالات وتنفتح غائبة أمام العين الثالثة (الرجل) لتصبح "الخميسة" ذات دلالة وواسطة للإثارة والاشتهاء، لايتعطل مفعولها السحري إلا إذا كانت العين الثالثة تحقق لمجمل وشم الجسد هويته وبذلك يأخذ شكله واستهلاكه من المتلقي، الزوج أوالحبيب.يقول هيربر "من الغريب أن العاهر تعلن على جلد يمتلكه الجميع بحكم المهنة، أن قلبها مخصّص لرجل واحد"(20).
فالعاهر إذ تَشِمُ جسدها، تستأثر بمكان الوشم وتخصصه لمن أحبته وتدع الباقي للجميع.
إن القيم الجنسية التي يدعمها التناسق الإلهي للجسد الموشوم تجعل هذا الجسد في ملكية المتلقي الذكر بحسب الضمير الجنسي للمجتمع، تجعله كذلك شكلا معرفيا يحقق حوارا حقيقيا كوضع يتطلب شيئا من الإصغاء حسب د.زهور گرام " إن خطاب المرأة المنتج، بالأساس، لمعرفة مغايرة، وغير مستهلكة أو مألوفة، غير موجهة فقط للمرأة، وإنما للرجل والمجتمع ككل " (21).
4 – هندسة الوعي الثقافي : محاولة لتلمّس"الأدبية". La litteraturnost
" موضوع العلم الأدبي ليس هو الأدب بل هو الأدبية" تزيفيتان تودوروف
إن تداخل السيميولوجي والأدبي عند معالجة الوضعية النسائية والمطالب بهذا التحقق داخل الذهنية التقليدية للمجتمع حيث المرأة لا ترى ولا تتكلم، تشكل الانقلاب الواعي المطلوب خارج الشخصية النسائية، لهذا كانت الأجوبة الواضحة والمعلنة انطلاقا من هذا المنهج المزدوج لا تلقي للسؤال الأنثوي أهمية حيث "الحديث عن المرأة موضوعيا، لا يتحقق من ذاته"(22).
إن الباحثة بنزاكور واعية بحدود المتخيل الرجولي الذي لا يمكن وضعه مكان المتخيل النسائي.
فهذا الإعلان يضع الكتابة النسائية في مواجهة الجسد الأنثوي ليحقق ثقافة من نوع لا تستجيب فيه المرأة لخصائصها الأنثوية، مما يجعل المرأة، " تصوغ كتابتها بشكل مختلف تماما عن أشكال كتابة الرجل " (23)
فمحمد نور الدين أفاية وضع قلق الكتابة النسائية خارج هاجس الجسد يقول "إن الكتابة شيء مستعصي أو غريب عن مجال جسد المرأة، وما هي طبيعة التوتر الذي يمكن أن توحي به واو العلاقة بين المرأة والكتابة؟"(24).
للإجابة على هذا السؤال العريض لا بد من معرفة أن أهم خاصية للأدب النسائي هي الرؤية المغايرة لهذه الكتابة التي تنفجر في وعي الكتابة الذكورية.
فالمرأة من خلال نظرتها للحب تستشرف الاشتهاء الجنسي المصاحب لعاطفة الحب، فالحب عندها لا يتم بمعزل عن لغة التعري والاشتهاء والجنس، هذا المفهوم للحب ينفلت للدكتورة زهور گرام حيث أنه يصبح خارج ضيافة الرقابة، فهو حقيقة ما يشكل"الأدبية "،باعتباره لديَّ خاصية إبداعية جوهرية، هي موطن حدوث الانفلات عن الخط الأحمر، إذ أن اللغة السردية للمرأة تنفلت بدورها عن شروط مصادرة الزمن الإبداعي" زمن تفجيرالاشباع(...) وترويض النفس على لغة الاهتزاز حتى يحدث الاغتسال" (25).
إن التعاطي السيميولوجي للنصوص السردية النسائية تجعل الجسد الأنثوي بين شفتي الرجل يمتطي الجنس والاشتهاء في حدود إرواء العطش والاستمتاع إلى حد الإشباع بالقدف الانفجاري للرعشة الكبرى.
نجد ذلك في نص (وللحب صوت)، الحب له صور للساردة ليلى عثمان التي تقول عن الحب بأنه "طوفان رهيب...تستطيع الأيام أن توقفه... تصير سدا يمنع الانفجار والغرق.. ولكنه في لحظة ما ينهار ويتدفق الماء ليروي كل العطش"(*).
وتقول كذلك في نص (الأرواح)، في الليل تأتي العيون، "الآن، أحس رغبة أكيدة في أن تعانق شفتاي شفتي الرجل، وأن تلامس يدي يده، وأن تلحس نظراته كل الضباب الذي حال دون أن أرى ما حولي من هتاف الحب، وأصدائه، وغنائه"(*) .
4 ـ 1 ـ الأدبية :La litteraturnost.
هذه الخاصية التي تشكل في نظرنا فرادة الكتابة النسائية والتي جسدتها ليلى عثمان في نص الأرواح التي عمقته سيمون دي بوفواروضمَّنته كتابها (الجنس الآخر) حيث الرغبة في لمس "الإله" (تعانق)، (تلحس)، خطوة أولى لمعرفة واقعية السلطة الذكورية وطبيعة عملها وبالتالي محاولة اكتش