أزمة المرأة
المرأة تعيش أزمتها في الميتافيزيقا
عبد النور إدريس
حاوره الصحفي عبد المجيد بوشنفى
[ عرفت مدينة مكناس في الدورة الثانية لزمن الكتاب نشاطا متميزا وقع فيه العديد من كتاب المدينة كتبهم كعبد الرحمان بن زيدان الناقد المسرحي وعبد السلام الحيمر الباحث الاجتماعي وعبد الحق السر غيني الروائي وعبد النور ادريس الناقد الأدبي الذي وقّع كتابين يحملان العنا وين التالية" الكتابة النسائية .حفرية في الأنساق الدّالة ..الأنوثة ..الجسد..الهوية" "الرواية النسائية والواقع.. بين سوسيولوجيا الأدب ونظرية التلقّي" .هدين الانتاجين يشتقان حمولاتهما الفلسفية من الكتاب المعاصرين كرولان بارت وديريدا وامبرطو إيكو...
سنقتطف معه هذا الحوار على أن نستمر معه في هذا التقليد في حلقة قادمة عند صدور كتابه الجديد الذي عنونه ب ومن خلال كتابه الاخير" ميثولوجيا المحظور وآليات الخطاب الديني -المرأة من السياق إلى التأويل- قام بتفكيك بنية معرفية ما زال العديد من الكتاب العرب يهابون التقرب منها لأنها مغامرة ذهنية يمزج فيها القارئ بين البحث العلمي والاعتقاد الشخصي في معادلة صعبة تجعل العديد من الكتاب في هذا الموضوع يتشبتون بكل ماهو سطحي في الموضوع دون الغوص في ماهيته]
سؤال: كيف تشكل لديك هاجس الاهتمام بمواضيع ذات مغامرة ابستمولوجية؟
جواب: اولا لابد من الاشارة ان هذا الهاجس تشكل منذ البداية مع مجلة التربية والتعليم التي كان يصدرها الأستاذ عبد القادر أحكيك حيث نشرت بها مقالات أذكرمنها مقال بعنوان " تأملات تربوية" عدد رقم 6 سنة 1984 ، ثم تلتها مقالة أخرى بعنوان إشكالية الكتاب المدرسي بالعدد 8 من نفس السنة ومن ثم توالت الانتاجات على مستوى القصة والمقالة بالعديد من الجرائد والمجلات الوطنية والدولية حيث شاركت في أعمدة مجلة أوراق اللندنية ابتداء من سنة 1984 حتى تاريخ منعها من الدخول إلى المغرب.
سؤال: ماهي القضايا التي تستقطب انشغالاتك الإبداعية؟
جواب : كتبت في القصة والشعر و ما أزال في شهر شتنبر من السنة الماضية أصدرت كتابا عنونته ب" الكتابة النسائية ..حفرية في الأنساق الدالة ..الأنوثة ..الجسد..الهوية" ، وهو باكورة أعمالي التي سأواصلها بشكل جدي مستقبلا.
سؤال: هل لك أن تطلع القارئ على فحوى صفحات هذا الكتاب ، وماهي على سبيل المثال الأسئلة التي عالجتها فيه؟
جواب: سؤال مهم جدا من حيث أن مساءلة الواقع الثقافي " الآن " تعتبر في نظري شكل متفوق على كل الأجوبة التي يمكن أن تختزنها الذاكرة الثقافية لبلد ما، فهي أسئلة تحاول أن تبني مفهوم الكتابة النسائية وتضعه نصب البحث لتخرجه من الصفة القد حية التي تُلصق به.لقد تساءلت حول ما إذا كانت المرأة تكتب بنفس الخط السردي للرجل دون أن أنسى أن الكتابة "هنا" و" الآن" صعبة إذا تعلقت بالمرأة خاصة وأن مجتمعنا ما يزال يرفل في الانتشاء بذكور يته على مستوى الخطاب الرمزي.
فالمرأة عندما تمارس شغبها الجميل " الإبداع" يتحرك الشغب الاجتماعي لتعتيم صورتها فتتحول إلى شظايا تحاول جاهدة أن تلتحق بالضوء الهارب ، ولهذا جاءني هذا الهاجس لمساعدتها على التسلل إلى الكون المختلف والمتعدد كي أرسم معها طريق العشق قصد الخروج من دائرة فوضى الدلالات. ومن هنا تولدت الأسئلة المقلقة التالية:
هل تتطرق بنفس الشحنات الإبداعية من حيث العوالم التخييلية لنفس المواضيع التي يتطرق إليها الرجل؟.
هل تستعمل المرأة نفس سلوكيات الكتابة الرجالية عن وعي بحدودها أو بدون وعي؟.
ما هي مجالات الجدة في الطرح الشكلي النصي لممارساتها الكتابية ؟.
ما هي حدود اختلاف معاناتها الإبداعية بالمقارنة والرجل ؟ .
ما هو تماثل التلقي بالنسبة لكتابات المرأة لذى المتلقي الذكر ، والمتلقي الأنثى؟ .
كانت هذه التساؤلات التي حاولت الإجابة عنها في هذا الكتاب ،والإجابة على هذه التساؤلات لا تعكسها قوة الجواب بقدر ما تكمن قوتها في حدود التساؤل وملء فضاء الإشكالية بإثارة الاهتمام ،إذ في احتراق الأسئلة توهج المسكوت عنه ...تسامي المُضْمر ... انبلاج ظلمة المُهمَّش ... وحضور المقصي..فالمرأة بشكل عام تعيش أزمتها المجتمعية على صعيد الميتافيزيقا ولهذا قررت أن أشتغل على تحرير صورتها "في السماء" بالرغم من أن التوجه العام للمجتمع المدني يعمل " الآن"على تحرير المرأة "على الأرض" مع إغفال الرجل حيث أن المرأة لا يمكن أن تتحرر في وسط يكون فيه الرجل عبدا .
سؤال:ماهي الثيمات الأساسية التي حاولت التركيز عليها ؟
جواب: تطرقت في هذا الكتاب و من خلال الكتابة النسائية لمرئيات مفاهيمية تتعلق بالأنوثة والجسد والهوية في علاقته بما هو جنسي وسلطوي وتسلّطي... من خلال ابداعات المرأة لتحديد علاقة الجسد بالإبداع نحو التشكيل الخاص بهوية المؤنث الذي استند في حضوره داخل النسق الثقافي العربي على خطاب مزدوج يحدد الأنثى كموضوع ضمن "موضوع"، فالأنثى ثيمة في الشعر والسرد، يحمِّلها الأدبي صوتها اتجاه المواضيع المحيطة بها وخاصة علاقتها الغرامية في اتجاه "الآخر".
سؤال: كيف يكون للأنثى عالمين ، عالم خارجي ينتجه الرجل وعالم خارجي تمتلكه هي؟
جواب: لقد كانت الكلمات تطرق باب المرأة وهي وراء أسْيجة العادات والتقاليد وكان الرجل ينتج الصورة والإطار على كافة المستويات المعرفية التي تحيط بها ، أما الآن وبعد أن أصبحت تكتب عن تجاربها الخاصة فقد أصبحت تُصدِّر وترسل كلماتها لطرق أبواب " الآخرين" وما زالت تفاصيل هذه الكلمات تُلامس جوهر حصار الماضي الخبيث لها ..وهي الآن ...وهنا... تمارس في فوضى الدلالات ترتيبا لأبجدية الفحولة ، تكتب في فَوْضَانا ما يحقق للهامش قوة الانطلاق .. يباغث المركز بوضع الاهتزازات تحت سِماطه...إن المرأة دوما كموضوع في قصيدة أو كشاعرة أو كساردة تحررت من غُربة الافتتان بنرجسيتها ...تشاكس الافتراضات اللامحدودة لمداهمة المألوف الذي ما فتئ يجعل من الذاكرة سبيلا للتعايش مع الحاضر..
سؤال: شاركت مؤخرا في الدورة الثانية من البرنامج الوطني لزمن الكتاب الذي أشرفت علية كتابة الدولة المكلفة بالشباب ، فحاضرت بدار الشباب تولال بمكناس بعنوان " تأنيث خطاب المرأة بالمغرب" ثم وقعت كتابك " الكتابة النسائية" ما هي دلالة هذا العنوان؟ ولماذا توقيع كتابك بتولال باليوم العالمي للمراة؟
جواب: عندما يتداخل العنوان بالفضاء بالزمن (8 مارس) يمكن أن يطرح أكثر من سؤال، عن حدود التمركز الثقافي بالمدينة الجديدة "حمرية" وقد تتناسل الأسئلة لتضع أصابعها على التهميش المفتعل الذي تعيشه البادية المغربية ومن خلاله المرأة والفتاة القروية التي تعيش عماء ثقافيا يكاد يسلبها هويتها الثقافية الأصلية من ذلك على سبيل المثال لا الحصر غياب البنيات التحتية لتشجيع تمدرس الفتاة بالوسط القروي،غياب الداخليات (خاصة دار الطالبة) التي يرجوها الأب الذي يمثل الذكر العربي سلوكا وعقلية لتكون "الداخليات" الأدرع الممتدة للأسرة خارج البيت، من حيث أن الأب لا "يودع" لدى المؤسسة الداخلية فتاته ككائن بل يضع بكارة وشرفا،وهنا تحضرني قولة سيمون دي بوفوار في هذا الإطار التي وضعت فيها عدة دوائر على ماتكتسبه البكارة من قيمة أخلاقية دينية وغيبية .
سؤال: هل للمرأة المغربية خطاب؟
جواب: بالطبع نعم، إلا أن خطابها يحمل دلالتين : فهو محكوم من جهة بصورتها في الوسط الذي تعيش فيه ومن جهة أخرى تحكمها نظرتها لذاتها ، فتموقعها في الوسط الاجتماعي هو الذي يحدد خطابها في البداية إلى أن تنتفض على الطابوهات الاجتماعية وبذلك ترسم لنفسها خريطة نفسية واجتماعية تجعلها قادرة على المشاركة في الشأن العام المحلي كفاعلة ، ومن ثم يتأسس الخطاب الذي يضع المرأة المغربية في الصورة وبالطبع مع حضور خصوصيتها كمغربية .
سؤال: ماهي في نظرك العراقيل التي تجعل هذا الخطاب لايحظى بالمكانة الائقة به؟
جواب: المرأة بالمغرب تسيِّجها العادات والتقاليد كما قلت سابقا وهي بذلك تعيش وأدا على عدة مستويات ونجد ذلك واضحا في خطاب الأمثال حيث أة أ
أن المثل الشعبي قد رسم تقاسيم صورة المرأة ضمن ثنائيات ضدية يتمازج ضمنها السلب والإيجاب كتعبير عن مزاجية العواطف التي تحكم المثل الشعبي نفسه، فنجد أمثلة عديدة تحيط بنفسية المرأة أكثر من تعبيرها عن وضعيات اجتماعية معينة فالمثل التالي:"المرأة عمارة ولوكانت حمارة "يتناقض كليا مع المثل الذي يمارس النبذ النفسي لكينونتها الإنسانية كما في المثل الشعبي التالي: "مسمار في الحيط ولا امرأة في البيت".
أما الثنائية التي تهيمن على الوسط الأسري للمرأة التقليدية فهي ( إنجاب / لا إنجاب) التي يمكن تصنيفها ضمن الثنائيات التناقضية حيث نجد أن العقم صفة ينتجها المخيال الشعبي حول المرأة وحدها وقد يكون الرجل سببا في حصوله وهو خاصية مشتركة بين الجنسين، كما أن الإنجاب الذي يأتي بالأنثى فهو داخل المخيال العربي والمغربي بمثابة (لا إنجاب) أي عقم على مستوى انتفاء استمرارية وجود حامل لاسم الأسرة من الذكور، وهذه الصورة يمكن أن تزول مع المناقشة المجتمعية حول مسألة "العصمة" عند الميراث.
سؤال: إذا أردتُ أن أعالج مشكل المرأة من أين أبدأ؟
جواب: يمكنك أن تبدأ من صياغة المعادلة التي تعتبر أن أزمة المرأة هي أزمة فكر وثقافة قبل أن تكون أزمة واقع تعيشه المرأة على الأرض.
سؤال: هل كتابك " الرواية النسائية والواقع..بين سوسيولوجا الأدب ونظرية التلقي" يذهب في نفس الانشغالات ؟
جواب: هذا الكتاب صدر في أواخر شهر فبراير 2005 وهو كتاب يشتمل على قسمين نظري وتطبيقي: لقد تطرقت في قسمه النظري إلى علم اجتماع الأدب والرواية على الخصوص بما هي حاملة لوعي الشعوب المعاصرة فتشجرت الأسئلة لدي عند المعالجة إلى الاهتمام بالواقع السوسيولوجي للرواية وعلى الخصوص واقع السرد النسائي لمعرفة ما يحمله من رؤية جديدة للعالم عبر التطرق إلى اللغة والمعنى والتلقي.
يتبع