ألا تدري..أنا سميحة
ألا تدري.. أنا سميحة
تحية للقاص الفلسطيني زكي العيلة
وقفت ممشوقة القد.. يبدو على محياها وقار مصطنع شحدته تفاصيل الأيام التي تراكمت فوق عينيها..
دخلت عمارة كان يسكن فيها أحد من تربت على يديه ..كل التفاصيل ما تزال قابعة مستسلمة لم تتحرك إلا في واجهة الأشياء..حتى طُعم المرارة التي كانت تجده كلما نزلت من شقته لم يبق له نفس الرنين... وقد التصقت آنذاك معاني الأشياء لديها في البدء بمعرفة معنى الاحتلال لغة واصطلاحا ومعنى الشرف ..والمبادئ ..والنضال ووو ..
وهي الآن قد جاءت بعد ثلاثين سنة لتحيي معه ذكرى الايام الخوالي..
طرقت الباب..سمعت صوتا مبحوحا يجيبها بمشقة وراء الباب..من الطارق..قريب أم غريب.؟
ردت وفي صوتها غنج واضح القسمات..ويلي..افتح وسترى.. خايف يا أستاذ ..ولاّ إيه.. قريب طبعاااااااااا..
فتح الباب على مصراعيه ..بدت عليه الدهشة و الاستنكار من جحوض عينيه.. تسمر في مكانه يتأمل امرأة في خريف عمرها ..ناضجة تلبس من أحدث مودة ..فالديباردور الوردي لا يلائمها أما الميني فونتر الأبيض فقد مسخها ... وتركها بدون هوية..
تصنَّع الصبر ثم قال ... يا مرحبين ..حضرتك مين .. وعايزة مني إيه..
شهقت بابتسامة عريضة ثم قالت ألا تدري يا أستاذ ..أنا تربية يديك ... لقد عجنتني طفلة ثم شابه ..فكنت جميلة في أخلاقي ..أنشد الحرية من سجني ..كنت مناضلة في شرودي..في صمتي وفي غضبي ..لكنك تركتهم يخبزوني كيفما شاؤوا ..فأصبحت كما ترى ...يقاسمني الاحتلال لغة العينين ..ويستبيح من جسدي أشجاره ...ومنذ طعنته الأولى وأنا مدمنة على كل طعناته ..وقد كنت تقول لي أن الاستسلام الأول ..حينما يتسلل إلى تاريخ العرب ..ستصبحين نبتة بدون جذور..كيف خانك خيالك وآمنت بوضع السلاح..وتركتني عارية ألتف بعباءتي ..وأختبئ من عذريتي..أنت ظالم يا أستاذ ..ألا تدري أنهم حولوا تقاطيع جسمي إلى دمية وتفاصيل اسمي إلى طفولة مشردة .. وما تنفع الحجارة التي راودتَها في كتاباتك.. الخنجر يقابله الخنجر ..وما حجارة الجدار الذي هدموه فوق رأسي سوى فاتحة حزن طويل مفتوح على الأطلال......أنا كبرت الآن ..وجئت فقط يا أستاذ زكي لأعلمك بقراري.. وقد رفعت عليك دعوى قضائية ستصلك استدعاؤها مع أحد الحوامات التي تمر أما م تلفازك ..
لم يتركها الأستاذ أن تُتْمِم لَمّ جراحها حتّى صرخ في وجهها..حَدَّ الله ما بيني وبينك يا شيخة... معاد الله أن أكون قد خبزت مثلك يوما ... ألم تقرئي روايتي..زمن الغياب ..التي كبرت مع السلاسل..كانت فيه البطلة تغني للحرية ..وتحلم بالتجوال في المدينة باسم كل النساء...
قرأتها بكل جوارحي .. وأسردها عند كل مساء لمن يتنزه في جسدي ..
قال وهو يهم بإغلاق الباب...من أرسلك عندي ..كيف تعرفين كل تفاصيل حياتي ...ألا تدري أنني كاتب فقط..لم أخبز أحدا ..لقد غلطت في العنوان...
تابعت في لهفة...أستاذ ..أستاذ زكي ألا تعرفني ...ألا تدري أنك أنت الذي خلقتني..ويلي أنا بطلة قصتك..أنا سميحة..